__________________
التيار الإسلامي من العنف إلى الحكم!
مصطفى هميسي
--------------------
بعد عامين على الانتفاضات العربية، يبدو أن بلدان المنطقة تعيش ''العهد الإسلامي''، إذ تحكم نخبة إسلامية عددا من البلدان العربية والمسلمة. تركيا والمغرب وتونس ومصر بالخصوص، ومن المحتمل أن تحكم في ليبيا وفي سوريا واليمن والأردن وفلسطين.
وينبغي أن نذكر أولا أن المراجعات التي قامت بها عدد من الحركات الإسلامية، بعد مرحلة دموية رهيبة، كان من نتائجها الأساسية تخلي الكثير من مكونات هذا التيار عن العنف وسيلة للعمل السياسي والوصول إلى السلطة. والكثير من التحليلات قالت إن تلك المرحلة الدموية هي التي أطالت عمر الكثير من الأنظمة، لأنها ضَمَنت لها مساندة خارجية قوية وأشاعت خوفا ورعبا لدى الكثير من النخب حتى تلك التي كانت معارضة في الأساس للأنظمة.
اليوم هناك تساؤل جوهري: لماذا يظهر التيار الإسلامي الأقوى على الرغم من أخطائه السياسية وبالرغم من خياراته التي كلفت المجتمعات تكاليف باهضة؟
ربما الجواب الأكثر منطقية هولأنه ليس هناك بدائل. ولكن لماذا ليس هناك بدائل وهل ذلك واقع أم حال فرضت فرضا بشكل إرادي من قبل أطراف متنوعة ذات مصلحة مشتركة في ذلك؟
ينبغي أن نلاحظ أن وصول نخبة من هذا التيار للحكم كان بسبب تغيير أتى من الشارع وليس أساسا من خلال النضال السياسي.
وينبغي أن لا نهمل أن الغرب كان من المفترض منطقيا أن ينحاز للتيارات التغريبية والعلمانية ولكنه اكتفى بنوع من التحريض الإعلامي ضد الإسلاميين، وربما تجنيد أطراف من المجتمع المدني الغربي للدفاع عن الديمقراطية ولكن من دون أي فعل عملي. لأنه على ما يبدو لم يجعل من نشر الديمقراطية شرطا في المنطقة إلا على مستوى الخطاب التبريري.
من ناحية أخرى، ينبغي القول إن باقي التيارات ضعيفة أو متأزمة. فالتيار اللبيرالي الديمقراطي ضعيف أو غائب أو مغيّب، وهو إن سيطر، في الكثير من البلدان، على الإعلام فإنه منكفئ على نفسه وغير قادر على التغلغل اجتماعيا و''محمي'' باعتباره ''قوة تبرير'' لا ''قوة نموذج''. والتيارات الوطنية واليسارية متأزمة ودخلت أو أدخلت مرحلة من الرداءة المفجعة. بل ونرى أحيانا كثيرة إصرارا على حماية (!!) هذه الرداءة بأشكال مختلفة.
لكن ينبغي القول: الديمقراطية الكاملة غير مرغوب فيها من أطراف عدة. لقد أخذ بالديمقراطية فقط آلية للفصل الشكلي في مسألة الشرعية، ولكن مع معرفة سابقة بالنتيجة، وذلك محصّلة لمرحلة كاملة من العمل السياسي الإعلامي والذي عكس أن التيارات الإسلامية هي الأكثر نضالية ومناكفة للأنظمة والغرب. نحن في كل الأحوال أمام معطيات واقع معقد ومتناقض أحيانا ويبعث على الكثير من الحيرة.
كان المفروض منطقيا أن يحمل تحرُّك الشارع العربي نتائج غير تلك القائمة حاليا. ولكن الواقع أن تحرك الشارع لا يستطيع ضمان تغيير جذري في معطيات هذا الواقع، والقوى الفاعلة، داخلية وخارجية بالخصوص، أخذت بعين الاعتبار احتمالات التغيير وربما هيأت الأجواء لكي يكون البديل هو ذلك الذي ترغب فيه أو تتوقعه أو أنها عملت على تهيئة الظروف له بتواطؤ نخبة أو حتى من دون علمها ولا إدراكها لذلك. تلك ليست مؤامرة ظرفية فقط إنها تكتيكات نابعة من استراتيجيات قائمة منذ فترة ونتائجها تبرز الآن.
على العموم الغرب لو وجد بدائل لكان ملزما بالتعامل معها بهذه الطريقة أو تلك. وفي الأحداث الدولية ما يؤكد ذلك، سواء في إيران أو في تركيا وروسيا وحكم بوتين أو في تعامله مع دول أمريكا اللاتينية التي تحكمها تيارات يسارية بشكل ديمقراطي، وهي معادية، أحيانا بشكل قوي، للمصالح الغربية.
إن وجود احتمال أن الوضع كان مرغوبا فيه قائم منطقيا.
لكن في كل الأحوال النخبة التي تحكم اليوم أمام امتحان تاريخي. فبعد عقود من ''النضال'' ومن ''الإعداد'' وبعد عقد تحالفات وفسخها وإعادة ترتيبها داخل مجتمعاتها ومع الخارج وخاصة الغرب، جاء وقت امتحان قدرتها. ولكن أي تيار يمكن أن ينازعها الحكم وأي تيار قادر على منافستها. هل هو تيار جديد أم تيار ممثل لبقايا السلطة السابقة؟ أم تيار منهم ولكن أكثر تطرفا؟ سنرى.
mostafa.hemissi@hotmail.com