البحث : الشخصية القانونية للمنظمات الدولية .
===============================
ويعنى بها الأهلية لاكتساب الحقوق ، وتحمل الواجبات والالتزامات ، والقيام بالتصرفات القانونية ، ورفع الدعاوى امام القضاء .
وكانت الشخصية القانونية لاتمنح الاللدول ، وتمتعت الاتحادات الادارية بوصف الشخص القانوني الدولي عام 1897 ،وتمتع معهد الزراعة الدولي عام 1914 بوصف الشخص القانوني الدولي ، وتمتعاتحاد الدانوب ولجنة التعويضات بعد الحرب العالمية الاولى بنفس الصفة وقداعترفت محكمة العدل الدولية عام 1949 بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية وذلك في فتواها الصادرة بتاريخ 11 نيسان لعام 1949 بخصوص التعويض عن الاضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة ، فقالت :
" إن المنظمة طبيعة خاصة متميزة عن الدول ،تتمتع باهلية تتناسب في اتساع مجالها او ضيقه مع الأهداف التي أنشئتالمنظمة من أجل تحقيقها "
وترجع هذه المسألة الى قضية الكونت برنادوت ،حيث ثار البحث حول أحقيقة المنظمة الدولية في رفع دعوى قانونية ؛ أي دعوى المسؤوليةالدولية عن الأضرار التي لحقت بموظفيها ابان قيامه بمهمته .
وفي هذا الصدد فقد قررت المحكمه :
"أن الأشخاص في نظام قانوني معين ليسوابالضرورة متماثلين في طبيعتهم ، وفي نطاق حقوقهم ، بل تتوقف على طبيعة ظروفالمجتمع الذي ينشأ فيه على متطلباته"
و كما انتهت الى:
"أن الدول ليست وحدها أشخاص القانونالدولي العام ، اذ قد يتمتع بالشخصية القانونية الدولية كائنات أخرى غيرالدول ، إذا ما اقتضت ظروف نشأتها وطبيعة الأهداف المنوطة بها تحقيقهاالاعتراف لها بهذه الشخصية ."
من خلال قرار المحكمة سالف الذكر يتبين أنه بينما تتمتعالدول كأصل عام بكافة الحقوق والالتزامات الدولية التي يعرفها القانونالدولي ، لا تتمتع المنظمات الدولية ضرورة بكل هذه الحقوق والالتزامات ، بليتوقف مقدار ما تتمتع به من حقوق والتزامات على أهدافها ووظائفها الخاصةصراحة أو ضمنا من الوثيقة التأسيسية المنشئة ، وما جرت عليه المنظمة نفسهافي حياتها الواقعية .
ورأي المحكمة اعلاه لم يكن محل ترحيب بعض الفقه وعلى رأسهم الاستاذ الدكتور صادق أبو هيف ويبني وجهة نظره على ما يلي :
"ان الشائع في الفقه الدولي اعتبارالهيئات الدولية التي لها كيان مستقل من أشخاص القانون الدولي العام كما هوشان الدول والبابا ، غير أن في هذا الشائع انحراف تلك الهيئات عن وضعهاالحقيقي خلط بين الشخصية الدولية والأهلية القانونية ، فهذه الهيئات وبلانزاع يمكن أن تتمتع بالأهلية القانونية لقيامها بمهامها ، وهي اهلية خاصةذات طابع دولي بما أنها تعمل في المحيط الدولي ، انما هذا لا يستتبع حتمااعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام ، لأنه لاتلازم حتمي بين هذهالأهلية وبين الشخصية الدولية بمفهومها الدقيق ، فالدول ناقصة السيادةلاتتمتع في المحيط الدولي بأهلية كاملة ، ولا يحول هذا مع ذلك اعتبارها منأشخاص القانون الدولي العام ، لأن هذا القانون يعني بها مباشرة عنايتهبالدول الأخرى كاملة الأهلية ، وليس هذا مركز الهيئات الدولية ، فهذهالهيئات ليس محل عناية هذا القانون لذاتها ، وكل ما هنالك أنه يخلقهاوينظمها لمجرد الاستعانة بها على تنفيذ احكامه ، فهي لاتخرج عن كونها أداةيستخدمها في تطبيق قواعده على أشخاصه الحقيقيين . وأشخاص القانون الدوليالعام هم الذين من اجلهم وجد هذا القانون ، ووجوده هو نتيجة لوجودهم لاحقله ، والشخصية التي تتمع بها الدولة ليست مستمده من هذا القانون ، وانما هيمستمدة من وجودها ذاته ، ولا يملك القانون الدولي أن يغير في هذه الشخصيةاذا ثبت للدولة بوجودها ، ولا يملك أن يمنح الشخصية الدولية لأية هيئة لمتجمع عناصر الدولة ، لأن الدولة كما قلنا تقوم بنفسها على عناصرها الخاصةولا تنشأ عن طريق نص او اتفاق . اما الهيئات الدولية فتستمد وجودها من نصفي القانون تتفق عليه جماعة الدول فحياتها ترتبط بهذا النص وتخضع لارادةهذه الجماعة ، وللدول أن تغير فيها ما شاءت وفقا للأوضاع التي تتفق عليها ،بل ولها أن تقضي على وجودها القانوني بالغاء النص الذي أنشأها ، فهي في يدجماعة الدول كما ذكرنا مجرد اداة يمكن الاستغناء عنها او استبدالها بغيرهااذا رؤي عدم صلاحيتها لتحقيق الغرض من وجودها ، ولا تملك جماعة الدول أنتفعل ذلك بالنسبة لأحد أعضائها ، لأن وجود هؤلاء الأعضاء لايتوقف علىارادتها وانما يخضع لعوامل أخرى لاسيطرة لها عليها ."
وأنا أرى في معرض ورقة العمل الضيقة هذه ان ما تفضل به الدكتور ابو الهيف وان كان صحيحا من الناحية القانونية والمنطقية ، الا ان مقتضيات النظرية القانو-سياسية تفرض ترجيح رأي الفتوى سالفة الذكر مراعاة للحراك العالمي القوي للمنظمات الدولية في وقتنا الحاضر .
أشخاص القانون الدولي العام :
يخاطب القانون الدولي العام عدداً من أشخاصه كالدول والمنظمات الدولية وغيرهما ولبيان وصف هؤلاء الأشخاص لابد من التطرق إلى مفهوم الشخصية القانونيـــــــة الدولية .
ماهية الشخصية القانونية الدولية
من المسلم به أن وظيفة القاعدة القانونية تقرير حقوق أو فرض التزامات فــي الحالات التي تحدث فيها وقائع معينة ، ومن تقرر له القاعدة القانونية حقاً أو تفرض عليه التزاماً فهو المخاطب بهذه القاعدة ويسمى أو يطلق عليه الشخص القانونــــي . ومن الطبيعي أن يكون لكل نظام قانوني أشخاص تخاطبهم قواعده فترتب لهـــــــــم الحقوق وتفرض عليهم الالتزامات ، وهؤلاء الأشخاص هم أعضاء الهيئة التـــــــي ينظمها ويحكمها هذا النظام القانوني . فالشخصية القانونية ، هي التعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد . ويترتب على ذلك أن الأشخــــاص القانونية لا توجد في نظام قانوني معين بطبيعتها وانما بفعل هذا النظام وفي الدائـرة التي يقوم برسمها . وقد تكون الوحدة المعينة شخصاً في نظام قانوني ما ، ولكن هذا لا يستتبع بالضرورة – أن تكون شخصاً قانونياً في نظام قانوني آخر . ذلك لأن كــل نظام قانوني يستقل بتعيين أشخاصه - . كما انه من الممكن أن تكون الوحدة المعيـنة شخصاً قانونياً في اكثر من نظام قانوني نتيجة لاكتسابها هذا الوصف في هذه النظـم عن طريق الاعتراف بالأهلية القانونية لها ، وعندئذ تكون هذه الوحدة المعينة محـلاً للتكليف بالقدر والأوصاف وفي الحدود التي يقوم بتعيينها كل نظام من هذه الأنظمـة القانونية . بيد أن هناك فريق من الفقهاء يرى انه لا يكفي لأثبات الشخصية القانونية لوحدة معينة أن تكون لها حقوق ، أو تقع على عاتقها التزامات بمقتضى نظام معين بل يضيفون إلى ذلك شرطاً آخر هو أن يعترف القانون الوضعي مبـاشـرة بـتـلــــك الحقوق والالتزامات للوحدة القانونية .
واسترشاداً بما تقدم يمكن القول إن الشخصية القانونية تكمُن في القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية من رفع دعاوى لها أو عليها في حالة إخلالها بحقوق الغير . وكما هو معروف فقد كان القانون الدولي العام حتى بداية القرن العشرين يعتبر أن الدول وحدها هي التي تتمتع بالشخصية القانونـيــــــة الدولية ، لأن هذا القانون لم يكن لينظّم إلا علاقات الدول فيما بينها ، ولأن الـــــدول هي التي كانت تملك سلطة التصرف على الصعيد الدولي . ومع ذلك فقد بدأ الـفـقـــه الدولي وتحت ضغط الوقائع التي ترجع إلى ظهور متزايد لوحدات فــي الـمـجـتـمــع الدولي تقوم بدور فعّال في ميدان العلاقات الدولية من ناحية ، والى تدخل القانــــون الدولي لحماية الفرد ضد دولته من ناحية أخرى ، الأمر الذي اضطر الـفـقـــــــه إلى العمل على توسيع دائرة سريان القانون الدولي من حيث الموضوع ، وبالـتــالـــــــي الاعتراف بالشخصية القانونية لوحدات أخرى غير الدول متمثلة في المنظمات الدولية والأفراد .