الصراع الصينى السوفيتى فى إطار الحركة الشيوعية العالمية

المصدر: السياسة الدولية بقلم: عبد الله الاشعل

الحركة الشيوعية العالمية هى مجموع الأحزاب الشيوعية فى العالم سواء فى السلطة أو خارجها، وسواء كانت هذه الأحزاب محظورة فى بلادها، أو كان معترفا بها كجزء من النظام السياسى وإذا كان الظاهر على السطح هو محاولات كل من أمريكا والاتحاد السوفيتى للعب بالورقة الصينية، واستقرار الصين الشعبية أخيرا على نظرة معينة للعملاقين تحدد طرائق التعامل معهما، فإن صراعا من نوع آخر لا يقل خطورة يجرى بعيدا عن الاهتمامات الإعلامية والسياسية الدولية العامة، صراع يحدد الكثير من معطيات أوضاع الصين الشعبية والاتحاد السوفيتى، ونعنى به الصراع على الصين الشعبية والاتحاد السوفيتى، ونعنى به الصراع على كسب ود الأحزاب الشيوعية لصالح نظرية كل منهما فى التطبيق
أولا: الصراع الصينى السوفيتى على الحركة الشيوعية فى الشرق الأوسط وأفريقيا: يتضح من الجداول التى نشرتها مجلة (مشاكل الشيوعية) فى عدد مارس أبريل 1984 الصفحات 43 - 47 وهى إحصاءات سوفيتية أصلا، أن هناك سبعة وعشرين حزبا فى سبع وعشرين دولة فى الشرق الأوسط وأفريقيا وهى ثلاث مجموعات مجموعة الأحزاب القانونية التى يسمح لها بممارسة نشاطها وهى ثمانية أحزاب كلها موالية للاتحاد السوفيتى، ومجموعة الأحزاب الممنوعة وعددها 13 حزبا وهذه الأحزاب كلها موالية للاتحاد السوفيتى وبذلك يحظى الاتحاد السوفيتى بتأييد 21 حزبا من مجموع 27 حزبا أما المجموعة الثالثة فهى الأحزاب الحاكمة ستة أحزاب فى أنجولا وبنين، والكونجو (برازافيل)، وأثيوبيا وموزمبيق، واليمن الجنوبى، خمسة منها للاتحاد السوفيتى، أما الحزب الشيوعى فى موزمبيق فهو مستقل يتضح مما تقدم أن الاتحاد السوفيتى يحتكر ولاء الأحزاب الشيوعية فى الشرق الأوسط وأفريقيا على اختلاف درجات وضعها القانونى
ثانيا: الصراع على الحركة الشيوعية فى أمريكا الجنوبية: يوجد 28 حزبا فى أمريكا الجنوبية منها 19 حزبا له وضع قانونى فى بلاده، وحزب واحد حاكم هو الحزب الشيوعى فى كوبا، وستة أحزاب محظورة، وحزبان غير معترف بهما فى البرازيل وهندوراس وتدين أحزاب أمريكا الجنوبية جميعا للاتحاد السوفيتى
ثالثا: خريطة الصراع على الحركة الشيوعية فى آسيا والمحيط الهادى: يوجد خمسة وعشرون حزبا شيوعيا فى آسيا ومنطقة المحيط الهادى منها سبعة أحزاب لها وضع قانونى، بالإضافة طبعا إلى الصين الشعبية وهناك أحد عشر حزبا شيوعيا محظورا بالإضافة إلى ستة أحزاب حاكمة والملاحظ أنه فى آسيا والمحيط الهادى عدد من الأحزاب الشيوعية الحاكمة فى كل من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية مجتمعة أما توزيع ولاء هذه الأحزاب الآسيوية بين موسكو وبكين فيظهر أن بكين تحظى بولاء خمسة أحزاب من مجموع العشرين حزبا فى المنطقة الآسيوية وكلها أحزاب محظورة أما الاتحاد السوفيتى فيواليه 14 حزبا شيوعيا منها أربعة أحزاب حاكمة ولا يوالى بكين أحد وسادس هذه الأحزاب الحاكمة فى كوريا الشمالية وهو مستقل وهناك خمسة أحزاب مستقلة عن كل من موسكو وبكين اثنان منها راديكاليان.
رابعا: خريطة الصراع الصينى السوفيتى فى أوروبا الشرقية: يوجد فى أوروبا الشرقية تسعة أحزاب شيوعية كلها أحزاب حاكمة منها اثنان مستقلان (ألبانيا ويوغوسلافيا) والسبعة الباقية موالية كلها لموسكو ومن الإحصائيات السوفيتية التى تدخل رومانيا ضمن الموالين لموسكو عندما يتعلق الأمر بالخيار بين موسكو وبكين خامسا: خريطة الصراع فى أوروبا الغربية: يوجد فى أوروبا الغربية 27 حربا شيوعيا كلها مشروعة وتمارس نشاطها كجزء من النظام السياسى فى الدول الغربية عدا الحزب الشيوعى فى برلين الغربية فهو حزب محظور ويوالى موسكو من السبعة وعشرين حزبا هذه 16 حزبا، أما بكين فيواليها حزب واحد ضعيف فى النرويج هو حزب AKP وأعضاؤه يقاربون الألف ويمثل 70% من مجموع أصوات الناخبين وليس له وجود فى البرلمان وفق آخر انتخابات جرت عام 1981 ولا توجد أحزاب شيوعية حاكمة فى أوروبا الغربية ولكن بعضها مؤثر فى الحياة السياسية والنيابية وله تمثيل فى الحكومة مثل الحزب الشيوعى الفرنسى ومن المفيد أن نشير إلى عدد مقاعد الأحزاب الشيوعية الغربية فى البرلمانات التى لها فيها تمثيل: ففى قبرص للحزب الشيوعى 12 مقعدا من إجمالى 3 مقعدا، وفى بلجيكا له مقعدان من 212 مقعدا، وفى فنلندا 27 من 200 مقعد، وفى فرنسا 44 من 491 مقعدا، وفى اليونان 13 من 300 مقعد، وفى أيسلندا عشرة مقاعد من 60 مقعدا وفق انتخابات 1983 وفى إيطاليا يحتل ممثلو الحزب الشيوعى أعلى نسبة من المقاعد فى أوروبا الغربية حيث لهم 198 من 630 مقعدا، وفى لوكسمبورج مقعدان من 59 وفى هولندا ثلاثة من 150 مقعدا وفى البرتغال 44 من 250 مقعدا وفى سان مارينو 15 من 60، فى أسبانيا 4 من 350 مقعدا، السويد 20 من 349 مقعدا، وفى سويسرا مقعد واحد من مائتى مقعد (انتخابات 1983) وتجدر الإشارة إلى أن الصراع على الحركة الشيوعية العالمية بين موسكو وبكين وهو فى الواقع هدف معلن لكليهما يسعى إليه باستمرار وبشكل حثيث وإذا كانت الصورة تبدو وكأن الغلبة للسوفيت فى إطار الحركة الشيوعية العامية إلا أن الدراسات الحديثة سجلت تقدما كبيرا للصين الشعبية مع الحركة الشيوعية الأوروبية وهو اتجاه أدانته موسكو وتقربت منه الصين، بل أن الصين وممثلى حزبها الشيوعى قد حضروا لأول مرة عشرين عاما مؤتمر الحزب الشيوعى الإيطالى فى مارس 1983 فعاملهم السوفيت بازدراء وأرسلوا لهذا المؤتمر وفدا ضعيف المستوى برئاسة أحد محررى صحيفة برافدا السوفيتية، كذلك تسجل الدراسات أن هناك خلافات مستمرة بين موسكو والكثير من الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الشرقية (يوغوسلافيا ورومانيا) وأوروبا الغربية خاصة إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وفنلندا ولعل هذه الدراسة الموجزة حول خريطة القوى السياسية لكل من موسكو وبكين على مستوى العالم فى الحركة الشيوعية العالمية تثير أسئلة أو قضايا بالغة الأهمية نعالجها على الترتيب، وهى:
أ- ما هو دور الأحزاب الشيوعية فى الصراع السوفيتى الأمريكى، والصراع السوفيتى الصينى؟
ب- ما هى نظرة موسكو وبكين إلى وظائف هذه الأحزاب؟
ج- وأخيرا لماذا تفوقت موسكو على بكين فى مساحة الولاء المخصص لكل منهما بين الأحزاب الشيوعية؟
أ- ما هو دور الأحزاب الشيوعية فى الصراع بين كل من موسكو من ناحية وكل من بكين وواشنطن من ناحية أخرى؟
لاشك أن الانتماء الأيديولوجى للأحزاب الشيوعية صوب كل من بكين أو موسكو ينطوى على درجات من الخضوع لسياسات الحزب الشيوعى السوفيتى تقل هذه الدرجة وفى حالة أحزاب أوربا الغربية، لكن درجات الخضوع لموسكو تزداد فى بلاد العالم الثالث خاصة إذا كان الحزب الشيوعى حاكما، أو كان مصرحا له بالعمل مقابل سياسات اقتصادية وسياسية معينة تؤديها موسكو كثمن لهذا الخضوع وفى هذه الحالة يصبح الحزب بحكم انتمائه العالمى موزع الولاء بين قضايا القومية وبين تعليمات سيده الذى فى موسكو، يكون الحزب فى هذه الحالة أداة لتجريد الدولة من استقلالها أما إذا كان الحزب مجرد وجود سياسى هامشى فى الدولة فيظل من قوى المعارضة التى تناوئ الحكومة الوطنية إذا اتخذت مواقف معادية لموسكو، ويغلب عليه الولاء لمذهبه الأممى على مصالح أمته الضيقة وقد يتخذ الحزب تسميات مختلفة تتلاءم مع المفاهيم السائدة فى مجتمعه ويخفى وراء هذه التسمية أهدافه الحقيقية بيد أن الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الغربية وإن كانت جزءا معترفا به بين النظم السياسية الديموقراطية فى دولها إلا أن هذه الديموقراطية نفسها هى التى تبيح لهذه الأحزاب أن ترى بلا خجل الحقيقة من منظور الخلافات بين موسكو وبين دولها، وتقدم هذه الأحزاب فى الواقع بالكثير مما يتفق مع مصالح الدولة السوفيتية فى سياستها العريضة فى المنطقة الأوروبية ولعل أبرز مثال تتضح من أدوار هذه الأحزاب هو قضية نشر الصواريخ بيرشنج فى أوروبا الغربية فقد انبرت الأحزاب الشيوعية الغربية تهيج الشارع السياسى ضد قرار حكوماتها بنشر هذه الصواريخ وهى التى بذرت ما عرف بحركات السلام التى وقفت بصلابة كقوة معارضة على امتداد دول حلف الأطلنطى ضد قرار نشر الصواريخ كذلك طالبت ستة أحزاب أوروبية غربية مع زملائهم فى كندا، والولايات المتحدة فى نداء وجهوه فى مايو 1983 إلى أعضاء الأطلنطى بضرورة تجميد السباق النووى والمعروف أن تجميد هذا السباق هو فى صالح الاتحاد السوفيتى الذى تقول الدراسات الغربية أنه متفوق على الغرب، وأن له صواريخ إس إس 20 فى مواجهة أوروبا الغربية واليابان والصين الشعبية ولاشك أن أى نصر سياسى وحزبى أو برلمانى للأحزاب الشيوعية تعتبره موسكو نصرا لها وواضح أن الفرق وهمى بين مصالح موسكو ومصالح الحزب الشيوعى السوفيتى، وقضايا الحركة الشيوعية العالمية التى يساندها ولعلنا نذكر ذلك الجدل العنيف الذى ثار فى أوروبا الغربية مرتين على الأقل حتى الآن مرة فى إيطاليا عندما اكتسح الشيوعيون نتائج الانتخابات البرلمانية عام 1976 ووضعوا أمام خيار صعب وهو إشراكهم فى الحكومة مما أثار ثائرة الولايات المتحدة التى ضغطت بشدة على إيطاليا حتى لا يحدث هذا، فإن هذا الموضوع يصبح نقطة ساخنة بين موسكو وواشنطن، وإذا بحملة شديدة تشنها الأحزاب الشيوعية فى طول القارة الأوروبية وعرضها ضد الوجود الأمريكى العسكرى والسياسى والاقتصادى فى أوربا مطالبة أوروبا بتحرير إرادتها من الوصاية وبضرورة التخلص من حلف الأطلنطى وكل رموز المواجهة بين المواجهة بين الشرق والغرب التى تستفز مشاعر الحرب أكثر مما تخدم قضايا السلام وقد اسهم مثل هذا النشاط الفكرى والسياسى الشيوعى فى تعميق الهوة بين أوروبا والولايات المتحدة وأما المرة الثانية فقد حدثت فى فرنسا عام 1981 مع وصول الحزب الاشتراكى إلى الحكم بمساندة من الشيوعيين، واهتمام الحكومة الاشتراكية فى باريس بإشراكهم فى الحكم حيث تدخلت واشنطن وصارت أزمة فى العلاقات الفرنسية الأمريكية ودخلت موسكو طرفا فيها ولاشك أن الحكومة الأمريكية تنظر بعين الشك إلى نشاطات ونجاحات الأحزاب الشيوعية فى غرب أوروبا، وكثيرا ما أدى شكها إلى انفعال يمس بالضرر علاقاتها الرسمية من حكومات المنطقة ب نظرة موسكو وبكين إلى الأحزاب الشيوعية: تكفى الإشارة هنا إلى أنه يبدو أن بكين بالنظر إلى ضعف وجودها فى الحركة الشيوعية العالمية، وانسحابها من مواقع كثيرة خلال الثورة
(66 - 1969) إلا أن موسكو تحدد ما تريد من الأحزاب الشيوعية والوظيفة التى تريدها لها حسب المنطقة والظروف التى تعيشها هذه الأحزاب ويبدو أن موسكو حريصة على دعهم الأحزاب الشيوعية العربية لكن بما لا يتصادم مع الحكومات العربية وفى الحالات التى حصل فيها هذا التصادم كانت موسكو تفضل الحفاظ على علاقاتها مع الحكومات مع كظم غيظها للخطة المناسبة وقد كان رد الفعل السوفيتى متواضعا إزاء إجراءات الحكومة الإيرانية ضد حزب توده الشيوعى، طمعا فى علاقات رسمية أفضل مع طهران ولكن رد فعل الأحزاب الشيوعية العربية تجاه هذه الإجراءات الإيرانية كان أعلى بكثير من صوت موسكو ويترتب على تصور موسكو لوظائف الأحزاب الشيوعية أن موسكو تضع حد أقصى لوظيفة الحزب، وحد أدنى فأملها الأول أن يصل الحزب إلى الحكم (بأى شكل) حتى تضمن الدولة كلها لصالحها، وأما الحد الأدنى فهو ضرورة وجود الحزب على خريطة القوى السياسية للدولة حتى لو كان يعمل فى الخفاء بحيث لا يتسرب اليأس إلى قلوب زعمائه أولا تسحقه يد السلطة ج- لماذا لموسكو نصيب السد داخل الحركة الشيوعية العالمية؟
من السهل أن نفسر تفوق موسكو على بكين داخل الحركة الشيوعية العالمية، وذلك بعدد من الاعتبارات:
1- أن الأحزاب الشيوعية فى العالم كله قد ظهرت جذورها منذ بداية العشرينات خاصة بعد مؤتمر باكو الذى انتشرت بعده موجة الأحزاب الشيوعية على هدى الثورة الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى فظلت هذه الريادة التاريخية لموسكو إطارا لانتماءات هذه الأحزاب فالاعتبار الأول إذن اعتبار تاريخى.
2- أما الاعتبار الثانى، فهو أن الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الشرقية تربعت على كراسى الحكم مفروضة فرضا بحماية الجيش الأحمر السوفيتى إبان الحرب العالمية الثانية وفى أعقابها مباشرة
3- وأما الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الغربية فقد تأثر موقفها بجو الديموقراطية فى بلادها من ناحية ودورها مع السوفيت فى حركات المقاومة السرية من ناحية أخرى، ثم جو الحرب الباردة والمطاردة للاتجاهات الشيوعية البداية من ناحية ثالثة.
4- وأما أحزاب العالم الثالث فقد نشأ معظمها فى إطار مساعدة موسكو لحركات التحرر الوطنى فى مرحلة تصفية الاستعمار حتى اختلطت الهوية الشيوعية لهذه الحركات مع هويتها الوطنية، وكان من الصعب جدا التمييز بينهما فى كثير من الأحيان.
5- وهكذا لم تكن بكين فى الصورة فى الظروف التاريخية المشار إليها ثم أن ظروف الشقاق ثم الصراع الصينى السوفيتى قد صورت بالإعلام السوفيتى القوى والمسموع داخل الحركة الشيوعية على أن خروج الصين عن الخط السوفيتى يعنى مناهضتها للحركة الشيوعية كلها ولمبادئها التى تحرسها موسكو.
6- يضاف إلى ذلك الظروف التى اجتاحت الصين إبان الثورة الثقافية الكبرى، حيث اضطرت الصين إلى الانكماش والتقوقع بعض الوقت، فضلا عن تخبط الصين فى تجاربها الاشتراكية وتغير توجهاتها الخارجية، وكذلك قصور مواردها وإمكانيتها عن التنافس الفعال مع الاتحاد السوفيتى ولعل فى العرض السابق ما يوضح أهمية هذا الموضوع وخطورته فى بنية العلاقات الدولية المعاصرة، كما يتضح عدم التوافق بين هذه الأهمية، وما لقيه من اهتمام على المستوى الإعلامى السياسى وإن كان الموضوع يتصدر اهتمامات المعاهد العلمية المتخصصة فى الغرب بوصفه من أهم الظواهر السياسية فى العالم المعاصر.