تطور ومميزات قانون الأسرة الجزائري
إن قانون الأسرة الجزائري من القوانين العربية المتأخرة من الناحية التاريخية، حيث صدر
سنة 1984، ولأول مرة. وقد تم الاعتماد فيه على الفقه المقارن، فلم يتقيد واضعوه بمذهب محدد
وإنما أخذ من المذاهب الأخرى على غرار باقي التشريعات العربية .
وقد كان العمل القضائي قبل صدور القانون يعتمد على النصوص الشرعية والأحكام الفقهية الموجودة
في الكتب منذ العهد الإستعماري وحتى مرحلة مابعد الاستقلال إلى حين صدور قانون الأسرة، وهذا
بالرغم من صدور العديد من المراسيم خلال الحقبة الاستعمارية في الجزائر وحتى بعد الاستقلال .
وبصدور قانون الأسرة سنة 1984 تكون الجزائر قد حققت مكسباً آخر في المجال التشريعي يضاف
إلى القوانين الأخرى، وهذا بعد مخاض عسير .
وقد تضمن هذا القانون قضايا الزواج والطلاق والآثار المترتبة عنهما. كما تضمن النيابة الشرعية،
بالإضافة إلى أحكام المواريث .
وفي الأخير تضمن أحكام التبرعات كالهبة والصية والوقف، وهي أمور انفرد بها قانون الاسرة
الجزائري عن غيره من التشريعات العربية، وخصوصاً موضوع الهبة والوقف التي لم تتضمنها
التشريعات في قوانين الأحوال الشخصية العربية، وإنما نظمتها في قوانين مستقلة كما هو الحال
عليه في الوقف، وأما الهبة فنظمته ضمن القانون المدني .
ومهما يكن فلا بد من إبداء بعض الملاحظات التي نراها ضرورية في بداية ألأمر، نلخصها
فيمايلي :
- أولاً :: أن هذا القانون في حقيقة الأمر لم يأت بجديد من حيث المضمون، بل إنه أتى بأفل
مما كان أو مايجب أن يكون، لأن ما كان قبل صدور القانون هو النصوص الشرعية والكتب
الفقهية فهو أوسع نطاقاً من تلك النصوص القانونية المحدودة العدد .
وأما مايجب أن يكون فلأن هذا القانون بعد صدوره وجدناه منقوصاً، بحيث لم يشمل كل
المسائل المتعلقة بالأسرة. زيادة على أن ماهو موجود به كثير من العيوب الشكلية والموضوعية
ثانياً :: أن ظهور هذا القانون في شكل نصوص قانونية محددة العدد قد سهل على القاضي
والمتقاضين في نفس الوقت. لان المتقاضين كانوا لايعلمون الحكم الذي سيطبقه القاضي
عليهم، لانه لاتوجد نصوص قانونية معلومة سلفاً، وخصوصاً عندما يتعلق الامر بالمسائل
التفصيلية التي يرجع القاضي فيها للفقه .
ثالثاً :: بصدور هذا القانون أصبح كل فرد في الأسرة يعرف ماله وماعليه من حقوق وواجبات
وبالتالي يستطيع الإطلاع بسهولة على هذه الحقوق والواجبات للمطالبة بها عند الإقتضاء. كما
أن القاضي صار من السهل عليه الحكم في القضايا المعروضة عليه باستناده إلى نصوص قانونية
معلومة .
رابعاً :: أنه وفر على المشتغلين في الحقل القانوني (القضاة والمحامون)، وكذا الدارسين وكل
المهتمين بقضايا الأسرة، من الخوض في كتب الفقه المتناثرة والتي لا حصر لها. كما أن تنوع
الآراء واختلافها حسب المذاهب الفقهية تجعل من الصعب الترجيح بين هذه المذاهب. وهذه الصعوبة
يعترف بها حتى أهل التخصص، ناهيك عن غير المتخصص في الموضوع، فضلاً عن أنه
لايوجد عندنا قضاة شرعيون في مسائل الأحوال الشخصية .
خامساً : بصدور القانون صار الجميع ملزماً بالتقيد بأحكامه المنصوص عليها، فيكون بذلك قد اغلق
الباب في كل المسائل المنصوص عليها فقط. بينما المسائل التي لم ينص عليها ترك المجال للقاضي
في الرجوع إلى الأحكام الفقهية دو التقيد بمذهب معين .
وهذه ميزة تحسب للقانون الجزائري، حيث لم يقيد القاضي بذهب معين في حين لو نظرنا لمختلف
التشريعات العربية نجدها تقيد القاضي بالمذهب الفقهي السائد في البلاد، كالتشريع السوري الذي
أخذ بالمذهب الحنفي، والمغربي أخذ بالمذهب المالكي في الأساس، وأضافت مدونة الأسرة الجديدة
الصادرة سنة 2004 إلى المذهب المالكي الإجتهاد الذي يراعى فيه قيم الإسلام في العدل والمساواة
والمعاشرة بالمعروف .
سادساً :: وبعد صدور قانون الأسرة الجزائري توالت ردود الفعل على هذا القانون وتوالت الإنتقادات
ولازالت إلى حد الآن، حيث قيل عنه الكثير سواء في الجوانب الإيجابية للمؤيدين، أو الجوانب السلبية
التي يراها بعض المعارضين لهذا القانون .
كما ان الجوانب التطبيقية لهذا القانون أظهرت في الحقيقة العديد من النقائص بسبب سوء الصياغة
القانونية .
كما اظهرت البعض من التناقضات في النصوص والأحكام الشرعية، مما أدى إلى بالمهتمي بمسائل
الأسرة إلى المطالبة بمراجعة هذا القانون بإعادة صياغة نصوصه بما يحقق الإنسجام بين الجوانب
القانونية والجوانب الشرعية .
ولأن المصطلح الشرعي له دلالته والمصطلح القانوني له دلالته أيضاً، لابد من إيجاد صيغة توفق
بين المصطلحين معاً .
سابعا :: ومن هنا ظهرت الحاجة للمطالبة بتعديل هذه النصوص حتى يكون القانون أكثر انسجاماً يراعى فيه
الجوانب القانونية والشرعية وباخذ في الحسبان التطورات الحاصلة في المجتمع من الجانب العلمي
والإقتصادي والإجتماعي تحقيقاً لمصلحة الأسرة والمجتمع .
ثامناً : إن تعديل قانون الأسرة لايعتبر بدعة من المشرع الجزائري، بل يجب أن ينظر لهذا القانون
على أنه كباقي القوانين الاخرى في المجتمع والتي خضعت كلها إلى التعديل في العديد من المرات،
وينبغي وضع قانون الأسرة في هذا السياق أيضاً . لأن الهدف من التعديل هو تحسين القانون وتصحيح
الاخطاء التي حدثت من المشرع، وكذا مواجهة المسائل المستجدة ومعالجتها شريطة أن توكل هذه
المهمة لأهل التخصص .
- وبالفعل فقد استجاب المشرع الجزائري لهذه المطالبة وقام بتعديل قانون الأسرة من خلال الأمر رقم
02-05 المؤرخ في 18 محرم عام 1426 هجري الموافق لـ 27 فيفري 2005 والموافق بقانون رقم
09-05 المؤرخ في 25 ربيع الاول عام 1426 هجري الموافق لـ 04 مايو 2005 .
وكنا نتمنى أن يحال مشروع التعديل للمناقشة والإثراء من خلال الهيئة التشريعية، غير أن ذلك
لم يتم، وصدر بأمر رئاسي، ثم أحيلل إلى البرلمان وتمت المصادقة عليه .
مقتبس من كتاب : شرح قانون الأسرة الجزائري المعدل
دراسة مقارنة ببعض التشريعات العربية
للدكتور بن الشويخ عبد الرشيد
دار الخلدونية
2008