طرحنا لهذا اليوم متعلق بمسألة مهمة في أحد ميادين القانون وهو القانون التجاري,حيث سنقوم بإلقاء الضوء على مسألة الأعمال التجارية المختلطة,والتي أثارت ولا تزال تثير الكثير من الآراء الفقهية المتباينة في تبني هذا النوع من الأعمال كصنف رابع من الأعمال التجارية قائما بذاته وهو ما تبينه نصوص القانون التي لم تأتي على ذكر هذه الأعمال صراحة كأعمال تجارية محضة وأخرجتها عن نطاق الأعمال التجارية بصفة عامة .
أول إشكالية تطرح في هذا الخصوص هي ما المقصود بالأعمال التجارية المختلطة ؟
وكجواب على هذا التساؤل نقول أن الأعمال التجارية المختلطة هي تلك الأعمال التي تعتبر بالنسبة لأحد أطرافها تجارية وتعتبر في نفس الوقت أعمالا مدنية بالنسبة للطرف الآخر والعبرة في ذلك هي تحديد العمل المختلط بصفة العمل ذاته ,وعليه لا يشترط في العمل المختلط أن يكون أحد طرفيه تاجرا.
مثال : عقد البيع الذي يبرمه شخصان مدنيان يبيع أحدهما شيئا ورثه ويشتريه شخص آخر بقصد بيعه فيعتبر العمل تجاريا مختلطا ولو ان طرفيه مدنيين وليس تاجرين.
فالأول ورث الشيء ولم يشتره ومعروف ان العمل لكي يكون تجاريا لا بد ان يكون قد تم شراءه بقصد بيعه مع وجود نية المضاربة وهو الراجح,أما الثاني فاعتبر عمله تجاريا بالنسبة له نظرا لتوفر الشروط السالفة الذكر وبهذا نكون أمام عمل تجاري مختلط يتوفر على جميع شروط العمل التجاري المختلط بالرغم من أن طرفيه شخصان مدنيان لا تاجرين, إذا فالعبرة في العمل التجاري المختلط في صفة العمل ذاته لا في صفة أطرافه.
ما هو نطاق تطبيقات نظرية الأعمال التجارية المختلطة ؟
استقر الرأي على أن يطبق القانون التجاري على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة إليه تجاريا ويطبق القانون المدني على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة له مدنيا على أن هاته القاعدة ترد عليها جملة من الإستثناءات ويتضح تطبيق هاته القاعدة في عدة مجالات أهمها :
القاعدة :
1/ الإختصاص : وهو كما هو معلوم نوعان فقط .
أ - الإختصاص المحلي أو الإقليمي: فلا يجوز مقاضاة الطرف المدني إلا أمام محكمة موطنه الأصلي أما بالنسبة للتاجر فيجوز مقاضاته أمام واحدة من المحاكم التالية : - محكمة موطنه الأصلي - محكمة إبرام العقد وتسليم البضاعة - محكمة الدفع أو مايعرف عنها بمحكمة الوفاء.
ب - الإختصاص النوعي : ينعقد الإختصاص النوعي حسب صفة المدعى عليه فإذا كان العمل بالنسبة إليه مدنيا وجب مقاضاته أمام الغرفة أو القسم المدني وذلك تجنبا للطرف المدني الوقوف أمام قضاء لم يألفه. أما إذا كان العمل بالنسبة إليه - أي المدعى عليه - عملا تجاريا فللمدعي - الطرف المتضرر - الإختيار في إقامة دعواه أمام القسم المدني أو القسم التجاري .
2/ الإثبات :
ويحق للطرف المدني الإثبات بكافة الطرق اتجاه الطرف الذي يكون العمل بالنسبة إليه تجاريا بينما لايستطيع هذا الأخير الإثبات في مواجهة الطرف المدني إلا وفقا لقواعد الإثبات المدنية .
مع ملاحظة أنه لا يوجد تلازم بين القسم او الغرفة المرفوعة أمامها الدعوى والقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة,فقد ترفع الدعوى أمام القسم التجاري وتطبق أحكام القانون المدني على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة إليه مدنيا والعكس صحيح .
الإستثناءات :
قد يتعذر تطبيق هذه النظرية في حالة ما إذا كانت التزامات الطرفين ناشئة من مصدر واحد حيث يتحتم تطبيق قاعدة واحدة على العمل رغم أن له طابع العمل المختلط ويظهر ذلك فيما يلي :
1/ الرهن :
للرهن كما هو معلوم شروط انعقاد وشروط تنفيذ وقواعد اثبات تختلف باختلاف ما إذا كان الرهن مدنيا او تجاريا وبالتالي يتعذر تطبيق احكام الرهن المدني والتجاري في نفس الوقت فلا بد من تغليب احد النظامين على الآخر والراجح في هذا الصدد أن العبرة بصفة الدين المضمون بالرهن بالنسبة للمدين فإذا كان المضمون بالرهن تجاريا بالنسبة للمدين اعتبر الرهن تجاريا بالنسبة للطرفين معا .
2/ الفوائد :
العبرة هنا أيضا بصفة الدين بالنسبة للطرفين فإذا كان الدين بالنسبة له مدنيا طبقت عليه القواعد المدنية التي تحكم مسألة الفوائد,وإذا كان الدين بالنسبة دينا تجاريا طبقت عليه القواعد التجارية التي تحكم مسألة الفوائد .