مفهوم الرشوة

مفهوم الرشوة

" التطور التشريعي لجريمة الرشوة في الجزائر
نظم المشرع الجزائري جريمة الرشوة منذ السنوات الأولى للاستقلال في المواد من 126 إلى 130 من قانون العقوبات الصادر سنة 1966 و التي بين فيها صفة المرتشي و الأفعال التي تتم بها الجريمة وظروف التشديد التي تتحول فيها الرشوة من جنحة إلى جناية .
واعتنق المشرع الجزائري مذهب ثنائية الرشوة حيث خص المواد 126 و 127 للرشوة السلبية التي يرتكبها الموظف المرتشي و المادة 129 للرشوة الايجابية التي يرتكبها الراشي صاحب المصلحة .
وقد لاقت جريمة الرشوة تطورا في التشريع الجزائري منذ صدور قانون العقوبات بالأمر رقم: 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 حيث أدخلت عليه عدة تعديلات :
الأول بالقانون رقم: 82-04 المؤرخ في 13/02/1982 الذي استحدث ما يسمى بالرشوة في القطاع الخاص وهي الجريمة التي عرفها قانون العقوبات الفرنسي منذ سنة 1919 ؛
والثاني بموجب القانون رقم: 90-15 الصادر بتاريخ 14/07/1990 أورد فيه مجموعة من الموظفين ومن في حكمهم الذين تنطبق عليهم الجريمة، بالإضافة إلى تخصيصه لرشوة القاضي وكاتب الضبط بحكم خاص في المادة 126مكرر وجعلها جناية معاقب عليها بالسجن المؤقت من 05 إلى 20سنة بالنسبة للأول ومن 05 إلى 10سنوات بالنسبة للثاني ؛
ثم تعديل 26/06/2001 بموجب القانون رقم: 01-09 الذي خص الرشوة في مجال الصفقات العمومية بالمادة 128 مكرر1 باعتبارها جناية معاقب عليها بالسجن من 05 إلى 20 سنة.
إلا انه ونتيجة لتفاقم آفة الفساد بمختلف صورها في السنوات الأخيرة و تفشيها في أجهزة الدولة، وتنفيذا لالتزاماتها اتجاه الاتفاقيات الدولية المصادق عليها لاسيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31/10/2003 تحت رقم 04-58 والمصادق عليها بتاريخ 19/04/2004 بالمرسوم الرئاسي رقم 04-128، قامت الجزائر بتبني القانون رقم: 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بتاريخ 20 فيفري 2006.
وهو القانون الذي جرم الرشوة السلبية و الإيجابية التي كان يشملها قانون العقوبات بنص المادة 25 ، كما استحدث صور جديدة للرشوة لم تكن مجرمة من قبل مثل رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية والإثراء غير المشروع و تلقي الهدايا بالإضافة إلى تكريسه لآليات و قواعد متعلقة بالتعاون الدولي لاسترداد عائدات الجريمة.

" خلفيات سن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته
عرفت الجزائر منذ التسعينيات أحداث و تحولات هامة في تاريخها و ذلك على جميع الأصعدة السياسية، الاجتماعية،الاقتصادية والأمنية أهمها التحول من اقتصاد مسير إلى اقتصاد حر نتيجة العولمة الاقتصادية بالإضافة إلى بروز ظاهرة الإرهاب الأعمى الذي هز كيان الدولة في صميمها.
وهي الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي ومختلف أشكال الإجرام الاقتصادي، نتج عنها آثار وخيمة تمثلت في تبديد الأموال العامة وإجهاض كل برامج الإنعاش والتنمية الوطنية وتهديد كيان الدولة واستقرار مؤسساتها.
وهكذا و اقتناعا من السلطات العليا في الدولة بخطورة ظاهرة الفساد، فقد تم سن وإصدار قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المتضمن لكافة الآليات والإجراءات القانونية و القضائية الكفيلة للقضاء على مظاهر الفساد المتمثلة أساسا في الاتجار بالوظيفة العمومية والتلاعب بالمال العام وقاية وضمانا لشفافية الحياة العمومية، وصيانة وحماية الأموال و قيم وأخلاقيات الوظيفة العامة في الدولة من كافة أسباب الفساد، و أهم المبادئ التي جاء بها هذا القانون تتمثل في:

 توسيع مجال التجريم لكل الأفعال المخالفة للنزاهة في مجال الوظيفة العمومية ولشفافية الحياة العامة.
 اعتماد تعريف واسع للعون العمومي الذي أصبح يضم الموظفين والمنتخبين، كما اتسع ليشمل القطاع الخاص.
 إدخال تدابير وقائية سواء في مجال التوظيف أو التسيير المالي والإداري.
 إنشاء هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته.
 استحداث صور جديدة لجريمة الرشوة.
 إلزام جميع الأعوان العموميين على التصريح بممتلكاتهم.
 إمكانية مصادرة الأموال محل الجريمة حتى ولو كانت محل تحويل الملكية إلى الأقارب.
 إدراج مواد في مجال التعاون القضائي الدولي و تحصيل عائدات الجريمة (لاسيما بالنسبة للجرائم العابرة للحدود).

" تعريف جريمة الرشوة
تمتاز جرائم الفساد في مجملها، بكونها جرائم ذوي الصفة التي لا تقع إلا من شخص يتصف بكونه موظف عمومي طبقا لقانون الفساد، ويقصد بالرشوة الاتجار بالوظيفة وجعلها مصدرا للكسب غير المشروع، والإخلال بواجب النزاهة الذي يتوجب على كل من يتولى وظيفة أو وكالة عمومية أو يؤدي خدمة عمومية التحلي به.(1) نافع أخرى مقابل أدائه أو امتناعه عن أداء عمل من أعمال وظيفته لفائدة الطرف الثاني، فهي علاقة أخذ و عطاء بين الموظف و صاحب المصلحة تؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام المرافق العامة حيث يحصل على خدماتها من يدفع للموظف العام، بينما يحرم منها من لم يدفع.
وقد اختلفت التشريعات في تجريمها للرشوة، وهي عموما تأخذ بأحد النظامين : نظام ثنائية الرشوة ونظام وحدة الرشوة .
فأما نظام وحدة الرشوة فلا يرى فيها إلا جريمة واحدة يرتكبها الموظف العمومي باعتباره الفاعل الأصلي أما الراشي فهو مجرد شريك له،غير أن الأخذ بهذه النظرية يؤدي إلى نتائج قانونية غير مستساغة تؤدي إلى إفلات الراشي والمرتشي أحيانا من العقاب إذ يتوقف تقرير مسؤولية الراشي الجنائية على مصير الدعوى المرفوعة في مواجهة المرتشي وبالتالي فانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة للمرتشي سواء بالتقادم أو بالعفو يحول دون مساءلة الراشي، ونفس الشيء إذا طلب الموظف الرشوة ولم يستجيب له صاحب الحاجة فلا يكون الموظف مرتكبا للرشوة.
وتأخذ بهذا النظام بعض الدول كمصر وإيطاليا ولبنان .
أما نظام ثنائية الرشوة والمعتنق من معظم التشريعات الجنائية العالمية، والذي أخذ به القانون الجزائري على غرار القانون الفرنسي، فهو يقوم على أن الرشوة تشمل جريمتين متميزتين و مستقلتين عن بعضهما في التجريم و العقاب:
- الأولى، سلبية من جانب الموظف العمومي، وقد اصطلح على تسميتها الرشوة السلبية.
- الثانية، إيجابية من جانب صاحب المصلحة، وقد اصطلح على تسميتها الرشوة الإيجابية.
بالإضافة إلى الصور والأشكال الأخرى التي تأخذها الرشوة والمستحدثة بالقانون رقم: 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و هي : رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية، الإثراء غير المشروع و تلقي الهدايا.