جمع وتأليف :
أ .صباح كاظم بحر
1 - حقوق الانسان في اللغة والاصطلاح :
الحق والحرية :
من اصعب الكلمات التي يمكن التعرض لهما ووضع تعريف جامع مانع لكل منهما ، فللوهلة الاولى تبدوا دلالة هذين المفهومين واضحة ، لكن عند بحثهما نكتشف ان من الصعب ان نحدد دلالة مطلقة تخاطب الجماعات الانسانية على كافة مشاربهم وعقائدهم ، اذ يفسرها كل منهم تحت دلالة لاتشبه دلالة الآخر ، ولعلنا نتوفق بعد استعراض هذين المفهومين في اللغة الى ايجاد تعريفات اصطلاحية جامعة ومانعة تؤدي الغرض من دراستنا لحقوق الانسان ، وذلك على وفق الآتي :
الحق في االلغة :
هو الثابت بلا شك ، وهو اسم من اسماء الله تعالى ، وهو صفة لله ، وصفة للرسول الاكرم محمد " ص " ، ويطلق على الصدق ، وللامر الواجب حصوله ، وايضا يطلق على العذاب الذي ينفذ على اقوام بعينهم ، ويطلق على لفظ التنزيل المعظم ، ، .... جاء في لسان العرب لابن منضور ان : الحقَّ واحد الحُقوق والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ منه وهو في معنى الحَق وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ حَقّاً وحُقوقاً صار حَقّاً وثَبت قال الأَزهري معناه وجَب يَجِب وجُوباً والحَق : خِلاف الباطِل جَمعُه : حُقُوق وحقاقٌ ، والحَقُّ : من أسماء اللهِ تَعالَى. وياتي بمعنى القُرآنُ ، والحَق : العَدلُ . والحَقُّ : الإسلام والحَقُّ : المالُ . والحق : المِلْكُ بكسرِ الميم . والحَق : المَوْجُودُ الثابِتُ الذي لا يَسُوغُ إِنْكارُه . والحَقُّ : الصِّدقُ في الحَدِيثِ . والحَقُّ :المَوْتُ ، والحقُّ نقيض الباطل ، وقال الراغِبُ : أصلُ الحَقِّ : المُطابقةُ والمُوافَقَة كمُطابَقَةِ رِجلِ الباب في حُقهِ لدَوَرانِه على الاستِقامَةِ .
الحق في الاصطلاح :
سار العلماء المحدثون من اصحاب التشريع الوضعي او الفقهي لتحديد دلالة الحق الاصطلاحية على وفق اتجاهات ثلاث :
الاول : الحق : هو مصلحة ثابتة للفرد او المجتمع ، او لهما معا يقررها المشرع الحكيم .
الحق : هو مصلحة ثابتة على سبيل الاستئثار للفرد او المجتمع او لهما معا يقررها المشرع الحكيم .
الثاني : الحق : هو ما يثبت في الشرع للانسان او لله تعالى على الغير .
الحق : هو ما ثبت باقرار الشارع واضفى عليه حمايته .
الثالث : الحق : هواختصاص يقر به الشرع سلطة على شئ او اقتضاء أداء من آخر تحقيقا لمصلحة معينة .
الحق : هو اختصاص يقر به الشرع سلطة او تكليفا .
الحق : ميزة يخولها القانون لشخص ويضمنها بوسائله ، بمقتضاها يتصرف في قمة معترف بثبوتها له ، اما باعتبارها مملوكة له او باعتبارها مستحقة له .
ولعل التعريف الجامع المانع الذي هو اشمل من حيث حده الحق ، بكل ما يتوفر من المعاني الاصطلاحي الدالة على مجموعة الشرع الخاصة بما للانسان من حقوق يثبتها الشارع عن طربق العرف والشرع معا يتحقق بتعريف الحق انه : ما ثبت على وجه الاختصاص وقرر به الشارع سلطة او تكليفا تحقيقا لمصلحة معينة .
الحرية في اللغة :
اسم من حرّ ، فيقال : حرّ الرجل حرية ، اذا صار حرا .
الحر من الرجال : خلاف العبد ، وسمي بذلك لانه خلص من الرق . عن ابن الأعرابيِّ : حَرَّ يَحَرُّ كَظَلَّ يَظَلُّ حَرَاراً بالفتح : عَتَقَ والاسمُ الحُرِّيَّةُ . وقال الكِسَائيُّ : حَررْتَ تَحَرُّ من الحُرِّيَّةِ لا غير . أي بكَسْر العَيْنِ في الماضي وفَتْحِها في المُضَارِع كما صَرَّح به غيرُ واحد وقد يُستَعمل في حُرِّيَّةِ الأصل أيضاً حَرِرْتَ تَحَرُّ من الحُرِّيَّةِ لا غير وقال ابن الأَعرابي حَرَّ يَحَرُّ حَراراً إِذا عَتَقَ وحَرَّ يَحَرُّ حُرِّيَّةً من حُرِّيَّة الأَصل
الحرية اصطلاحا :
اثبت الجرجاني في كتابه التعريفات حدا للحرية بقوله :" في اصطلاح أهل الحقيقة: الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار، وهي على مراتب: حرية العامة، عن رق الشهوات، وحرية الخاصة، عن رق المرادات لفناء إرادتهم من إرادة الحق، وحرية خاصة الخاصة، عن رق الرسوم والآثار لانمحاقهم في تجلي نور الأنوار ".
وعبر اصحاب الاختصاص في القانون عن الحرية اصطلاحا بقولهم : مكنات يتمتع بها الفرد بسبب طبيعته البشرية ، او نظرا لعضويته في المجتمع ، يحقق بها الفرد صالحه الخاص ، ويسهم فيها بتحقيق الصالح المشترك للبلاد ، ويمتنع على السلطة ان تحد منها الا اذا اضرت بمصالح الآخرين .
وعدها السياسيون بانها : حرية الفرد في التصرف بكل ما يتعلق بشؤونه الخاصة ضمن دائرة القانون .
ويرى بعض العلماء المعاصرين وجود فرق بين الحرية والحق في المفهوم ، ينعكس على مدى التصرف في كل منهما ، فجوهر الحق عندهم : اختصاص ، اي انفراد واستئثار بموضوع الحق ومحله ، بحيث يكون لصاحب الحق سلطة التصرف بما اختص به ضمن الحدود التي رسمها له الشرع ، وهذا يستلزم اباحة الأفعال الملائمة لذلك الأستعمال والتصرف المشروع .
اما الحرية فهي : المكنة العامة التي قررها الشارع للأفراد على السواء ، تمكينا لهم من التصرف على خيرة من امرهم ، دون الاضرار بالآخرين، فالتصرف موضوع الحرية ومحلها مأذون به شرعا ، وهو من قيبل المباحات ، والمباح كما اقره علم اصول الفقه : الذي يستوي فيه الفعل والترك ، فالمكلف مخير فيه بين ان يفعله او يتركه .
مما سبق يظهر ان كل حرية هي حق فحرية الرأي ، وحرية العقيدة ، وحرية التظاهر ، هي حقوق لا اختصاص فيها لاحد فكل الافراد يتمتعون بها على قدر المساواة ، وعطف الحرية على الحق هو من قبيل عطف الخاص على العام فالاعم هي الحريات والخاص منها هي الحقوق موضوع الدراسة .
الانسان لغة واصطلاحا :
جاء في مختار الصحاح للرازي ما نصه " أ ن س " : الانس البشر والواحد إِنْسي بالكسر وسكون النون ، والجمع أَنَاسِيُّ. قال الله تعالى (وأَنَاسِيَّ كَثِيرا) وكذا الأَنَاسِيَة ويقال للمرأة إنسان ولا يقال إنسانة ". وكذا في لسان العرب ، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ .
عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أَنه قال إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ وهو فِعْليانٌ من الإِنس ، والإِنْسُ جماعة الناس والجمع أُناسٌ وهم الأَنَسُ ، تقول : رأَيت بمكان كذا وكذا أَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً .
وحدها الجرجاني في تعريفاته بقوله :" هو الحيوان الناطق " وهو اصطلاحا في معناه متطابق مع اصل الوضع في اللغة ، فالمقصود منه واحد البشر .
2- حقوق الانسان في الحضارات القديمة .
أ- حقوق الانسان في حضارة وادي الرافدين :
كان سكان بلاد ما بين النهرين ينتمون أساسا إلى جنسين : السومريون، وهم سكان غير ساميين يتوطنون في جنوب البلاد، والأكاديون في الشمال وهم من الساميين . وكانت " أك اد " التي ينتمي إليها هؤلاء الأخيرين تقع في شمال " سومر ".
ولا يعرف العلماء على وجه التحديد الأصل التاريخي للسومريين أو الجنس الذي ينتمون إليه . ويعتقد البعض أن موطنهم الأصلي مرتفعات فارس أو المنطقة التي تقع ورا ء الخليج العربي .
لكن الراجح ان هؤلاء الاقوام يتصلون نسبا الى سام ابن نوح ، وقد توطنوا ارض العراق في شماله وجنوبه وشرقه منذ اقدم الازمان وعنهم نشأت الحضارة.
وتبدأ قصة الحضارة في بلاد وادي الرافدين بظهور اولى المجتمعات البشرية والتي تمثلت بقرى متحضرة من امثال " اور واريدو " في جنوب العراق ، وبفعل عوامل التطور ابتدأت تلك القرى المتحضرة بالتمدن فتحولت الى مدن صغيرة كانت السمة البارزة فيها وجود المعبد للدلالة على أن تلك المدن تأسست على وفق اطروحة دينية .
ولعل جل المدن في حضارة وادي الرافدين قد تأسست على وفق هذا الاتجاه فلا تخلو مدينة تنتمي الى هذه الحضارة من المعبد ، وطبيعي ان يستلزم المعبد رجالا قائمين عليه ، وهذا ما حصل في تلك الازمان اذ تمثل شخص رجل الدين بالكاهن الذي من ابرز مميزاته انه كان اعلم اهل زمانه في الكثيرمن العلوم التطبيقية او النظرية او علوم ما وراء الطبيعة .
وقد سلك الكهان طريقا استحصلوا به ثقة العامة من سكان وادي الرافدين ، وذلك من خلال تقديمهم التفسيرات العلمية للظواهر الفيزياوية والطبيعية في ذلك الوقت بقالب ذو محتوى الهي يخدم قضية تعدد الآلهه ويوثق بذات الوقت العقائد الوثنية التي اعتنقها السكان طلبا لحاجات في النفس الانسانية يرومون اشباعها .
وكان دافع الكهان في ذلك حب التملك والسيطرة والاستحواذ على المجتمع البابلي او السومري من جهة الحكم او الاقتصاد او كلاهما معا فيكون الكهان هم الحاكمون وهم رجال الدولة الاوائل ، فالنذر لاجل نيل رضا الآلهه تقدم للكهان ومصائر الناس معلقة بيد الكاهن لانه المتحدث باسم الآلهه وهو القائم على تنفيذ رغباتها ، الأمر الذي مهد لسيطرة شبه مطلقة على مجمل سكان تلك المدن .
وبفعل عوامل التطور التي من اهمها ازدياد عدد السكان تطور الامر فلم يصبح الجميع تحت سلطان الكاهن مباشرة ، وعندئذ ظهرت بوادر وجود نظام سياسي متقدم تمثل بوجود حاكم قوي يقوم اساس حكمه على تنفيذ ارادة الآلهة ايضا ، وبطبيعة الحال فان الحاكم الذي تطور الى ملك يحتاج لاضفاء الشرعية على حكمه مباركة من قبل الكاهن ، لان الاثنين قد حكما البلاد على اساس انهم ينفذون ارادة الآلهه .
ومن هنا كانت مقاليد الحكم تسعى اليهم قبل ان يطلبوا مظانها ، فالمجتمع يسيطر عليه هاجس غضب الآلهه ، لذا يبادر الناس دوما الى الحيلولة دون حصول ذلك ، وما من طريق يؤدي الى الاتصال والتواصل مع تلك الآلهه سوى الكهان والملوك ، الذين عرفوا في حينه كيف يشبعون رغبات الناس في ذلك الوقت بان نصبوا انفسهم كهانا وملوكا وتسيدوا على سكان العراق القديم من خلال الكم الجيد من العلوم التي كانوا يتقنونها .
ونتيجة للتطور الذي شهدته المدن القديمة تنوعت اساليب العيش وظهر الاختصاص عند الناس باحتراف المهن التي تمثل الدور التكاملي لمجتمع المدينة المتحضرة ، اضافة الى الفلاحين ومكونات الشعب الاخرى كافراد الجيش والعبيد ، الامر الذي اضفى تنوعا في النسيج الاجتماعي ، الذي كان على طبقات عديدة ، اهمها :
- طبقة الحكام والكهان .
- طبقة الاشراف " الاحرار " .
- طبقة المحاربين .
- طبقة اصحاب المهن " المساكين " .
- طبقة الفلاحين " المساكين ".
- طبقة الرقيق .
ان المميز والجيد في سكان بلاد وادي الرافدين انهم كانوا يديرون مجتمعاتهم على افضل ما يكون في ازمانهم ، ومن هنا نشأت بعض العادات في التواصل بين ابناء المجتمع تطورت شيئا فشيئا الى تقاليد تنتسب الى العرف ، الامر الذي مهد الى ظهور القنون .
وقد ظهرت اولى القوانين المكتوبة في تأريخ الانسانية على اثر تلك الاعراف والتقاليد التي من ابرزها هو وجود مجلس للشيوخ كان من ابرز اختصاصاته انه يقوم على تأليف القوانين بناءا على الموروث العرفي الذي درج عليه الناس في ادارة شؤونهم وفض نزاعاتهم .
وهنا تمثل مقدارالرقي الكبيرالذي وصلت اليه حضارة الآشوريين والبابليين ، اذ يشير الدارسين للنقوش الاثرية لالواح القوانين ان حقوق الانسان لم تكن مجهولة في الفكر القانوني والعرفي للاقوام العربية التي تمثلت بتلك الحضارات ، فالحرية والعدالة والمساواة كانت من الافكار الاساسية التي جسدتها القوانين المكتوبة التي وصلت الينا من خلال قانون حمورابي وقانون اشنونة ووقانون لبث عشتار ، ولعلنا بسرد عام لتفاصيل قانون حمو رابي نقف على مقدار تطبيق مجمل حقوق الانسان في تلك الحضارة .